الاقتصادي الإمارات – خاص:
البذخ والإسراف والتبذير.. أصبحوا ثقافة سائدة لدى المقبلين على الزواج في الإمارات، وباتت الفرحة بدخول القفص الذهبي مكلفة للغاية.
والوفرة الاقتصادية والعمرانية، التي شهدتها الامارات، جعلت الناس يبالغون في المهور والتباهي في حفلات الزفاف، التي باتت تقع في طقوس من شكليات وأنماط تقليد تستنزف جيوب الأشخاص الذين لجؤوا إلى قروض طويلة الأمد لمجاراة الأقارب والأصدقاء.
وذكر الموظف عبدالله راشد، أن متوسط تكلفة مشروع الزواج لأي شاب يصل إلى مليون درهم، من حيث تقديم مهر للعروس وتأثيث منزل، وتكاليف ليلة الزفاف من مأكولات ومشروبات وحجز قاعة العرس، ما كان يدفع معظم الشباب إلى العزوف عن الزواج لسنوات طويلة حتى يستطيعوا تكوين مبلغ كبير من المال يمكنهم من خلاله تحمل تكاليف هذا الزواج.
الغيرة وراء المبالغة
ومن تجربة 18 سنة في سوق تنظيم الأعراس الإماراتية، يؤكد سامر قطاط، أن عزوف الشباب عن الزواج سببه مبالغة العروس وأهلها في المطالب والالتزامات المالية التي عادة ما يكون مصدرها الغيرة أو التقليد غير الواعي لأعراس الأصدقاء أو الأقارب.
ذكر أنه أشرف على عرس إماراتي كلَّف صاحبه سبعة ملايين درهم، وقامت الشركة بتحضير كوشة بـ135 ألفاً اشترط صاحبها أن يتم تحطيمها بعد انتهاء الحفل، للتأكد من عدم تقليدها.
وحذرت دراسة استطلاعية لـ"صندوق الزواج" الإماراتي، من العادات السلبية للمقبلين على الزواج، وأهمها الانفاق ببذخ، إذ رأى 86.8% من المستطلعة أراؤهم، أن كلفة الزواج الباهظة هي السبب الرئيس للعنوسة بين بعض الإماراتيات.
ظاهرة حفلات "توديع العزوبية"
كما انتشرت مؤخراً ظاهرة حفلات "توديع العزوبية" التي استحدثتها شابات مقبلات على الزواج في الفئة العمرية بين 18 و25 عاماً، وتنظم قبل حفل الزفاف بأسبوع أو 10 أيام.
وتبدأ كلفة حفلات "توديع العزوبية" من 7000 درهم، وتصل إلى 100 ألف درهم، وتكون مقتصرة على صديقات العروس وأحياناً قريباتها أو جاراتها، وتقام وسط أجواء خاصة، كالإضاءة الملونة والليزر والموسيقى والتصوير، ويكون مقرها أفنية البيوت أو المزارع أو المنتجعات.
ويعود انتشار مثل هذه الحفلات، إلى كونها تتسم بالخصوصية فالمدعوات من ضمن المحيط الأسري والصديقات، وأحياناً جارات، فضلاً عن الصور التي يتم التقاطها تظل من ذكريات العمر، أما صور الحفل فتنشرها في حساباتها بمواقع التواصل الاجتماعي من أجل التباهي.
الزواج من أجنبيات.. تداعيات مقلقة
وأمام هذه التكاليف الباهظة، تزايد عدد حالات زواج المواطنين من أجنبيات، ما يسبب تداعيات سلبية لها علاقة بالقيم والعادات والتقاليد والحقوق والواجبات.
واحتلت القضية حيزاً واسعاً من نقاشات أعضاء "المجلس الوطني الاتحادي"، حيث دعت رئيس مجلس إدارة "صندوق الزواج"، إلى إعادة النظر في سقف الراتب المؤهل للحصول على منحة الصندوق، المحدد بـ20 ألف درهم، والذي يسهم بشكل لافت في تقويض جهود تسهيل الزواج.
وكشفت إحصاءات اتحادية حديثة، صادرة عن محاكم الدولة، عن ارتفاع عدد حالات زواج مواطنين بأجنبيات، خلال العامين الماضيين، بنسبة 29% على مستوى الإمارات، مقارنة بالعامين السابقين عليهما، في حين ترتفع النسبة إلى 57%، من إجمالي حالات الزواج المنعقدة في دبي، خلال الفترة نفسها.
وبلغ عدد الزيجات بين مواطنين ومواطنات على مستوى الدولة، خلال العامين الماضيين 7401 زيجة، مقابل 2159 زيجة لمواطنين بأجنبيات.
وأكد 85.6% من المشاركين في دراسة استطلاعية لـ"صندوق الزواج"، أن ارتفاع تكاليف الزواج يؤدي إلى الزواج بأجنبيات، و60% يرون أن سهولة الزواج ترجع لوجود الأجنبيات في الدولة.
وأن نسبة 66% يرون أن تشدد أسرة الزوجة المواطنة وكثرة مطالبها هي السبب، وبيّن 86.1% ممن شملتهم الدراسة أن الزواج الجماعي يسهم في خفض كلفة الزواج.
كيف يمكن خفض التكاليف؟
وفي ظل الارتفاع المستمر لأسعار قاعات الأفراح والفرق الغنائية أو التراثية، هناك طرق لخفض التكلفة منها قصر حفلات الزفاف على النساء فقط، وإجراء الأعراس في أيام وسط الأسبوع أسعار القاعات تنخفض بنسبة بين 30% و50% مقارنة بأيام الخميس والجمعة،
وشهدت الحفلات المخصصة للرجال انخفاضاً كبيراً خلال الفترة الماضية، ما وفر ما يراوح بين 120 و150 ألف درهم من إجمالي المبلغ الذي تخصصه الأسر لحفلات الزفاف.
وأفاد أستاذ الثقافة الإسلامية ومجتمع الإمارات في "الجامعة الكندية في دبي"، سيف الجابري، أن هناك ثقافة جديدة انتشرت بين الأسر مؤخراً، تقوم على خفض كلفة الزواج بوسائل عدة، منها إقامة عشاء للأصدقاء والعائلة من الرجال بعد عقد القران، ما يوفر على العريس كلفة قاعة الزفاف والعشاء والفرقة الشعبية وغيرها، ما يجعله يدخر مبلغاً لما بعد الزواج.
كما أسهمت الحملات الاجتماعية التي أطلقتها "مؤسسة صندوق الزواج" العام الماضي، في زيادة الوعي لدى الشباب المواطنين وأسرهم لتغيير العادات السلبية المتمثلة في المغالاة في نفقات الأعراس، مشيرة إلى أنها نفذت مبادرة "الملتقيات العائلية"، التي تهدف إلى التواصل المباشر بين الأسر والشباب المقبلين على الزواج بهدف زيادة الوعي الأسري، والمشاركة بأفكارهم وآرائهم ومقترحاتهم وإيجاد بدائل لتشجيع زواج المواطنين من مواطنات، ومساندتهم من أجل بناء حياتهم الأسرية.
وفي 2013، أطلق الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة بدولة الإمارات، مبادرة تقضي بتغيير مواعيد الأعراس وتحديد وقتها بساعتين فقط، لتكون من الرابعة عصراً حتى السادسة مساءً.
وتنص المبادرة على منع تقديم الوجبات الرئيسية في الأعراس، والعمل على الحد من إقامة حفلات الزواج الضخمة في الفنادق، وضرورة الاقتصاد في التكاليف والاكتفاء بحفل بسيط، وتشجيع حفلات الزفاف الجماعية، وذلك ترشيداً للنفقات وتخفيفاً من الأعباء الكثيرة التي يتحملها الشباب في مقتبل حياتهم من إنفاق أموال طائلة على الأعراس.
وانتشرت ظاهرة "الأعراس الجماعية"، في سعي لمكافحة العنوسة، التي يتسبب فيها ارتفاع تكاليف الزواج، وصرح متزوجون حديثاً أن العرس الجماعي ألغى فكرة الاقتراض بهدف إقامة حفل زفاف يكلف ما معدله 50 ألف دولار.
ومنذ انطلاق حفلات الأعراس الجماعية قبل خمسة أعوام، تمكنت اللجنة الخاصة بالأعراس الجماعية في "جمارك دبي" من تزويج قرابة 300 شخص، وامتدت تجربة النجاح في2011 لتشمل انضمام موظفي وموظفات بعض المؤسسات الأخرى، مثل "الإدارة العامة للإقامة وشؤون الأجانب"، فيما شهدت المبادرة خلال العامين الماضيين انضمام أربع مؤسسات إضافية، منها "موانئ دبي العالمية"، و"سلطة المناطق الحرة"، ومؤسسة "تراخيص"، ما يغطي قرابة الـ700 شخص تابعين لهذه الإدارات.
ويزداد عدد الإقبال على خدمات الأعراس الجماعية عاماً بعد عام، تسجل قرابة الـ140 زواجاً في 2015، مع توقعات بتزايد أعدادها العوام القادمة.
وتعد دورات التأهيل النفسي والاجتماعي للمقبلين على الزواج، من أهم الجوانب الضرورية التي توفرها لجنة "الأعراس الجماعية" للشركاء، بالاشتراك مع "جمعية النهضة النسائية".
وتوصلت دراسة أجراها رئيس "منظمة الأسرة العربية" جمال البح، إلى أن نسبة 28% كلّفهم الزواج 201 ألف درهم فأكثر، ونسبة 16% كلّفهم الزواج بين 181 إلى 200 ألف درهم.
وبلغ متوسط تكاليف الزواج بمواطنة للمستفيدين من منحة "صندوق مؤسسة الزواج" بحد أدنى 20 ألف درهم وبحد أعلى مليون درهم، وبلغ المتوسط 210.852 درهماً.
وكشفت الدراسة، أن نسبة وعي الشباب بالمشكلات المترتبة على البذخ في الأفراح بلغت أكثر من 73%.
وأخيراً..
يعتبر الزواج منظومة اجتماعية تتطلب ضرورة التمسك بالعادات والتقاليد الأصيلة لمجتمع الإمارات، والعودة للبساطة وعدم المبالغة والبعد عن التقليد الأعمى الذي يؤثر على بناء الأسر.