الاقتصادي – أفكار ومهارات:
كثيراً ما يتردد هذا السؤال لدى الشباب والشابات الباحثين عن عمل جديد، وغالباً ما يغيب عنهم الفرق الكبير في بيئة العمل بين الشركات العائلية والشركات المحترفة ذات العمل المؤسسي أو ذات البيئة متعددة الجنسيات. فلبيئة العمل أهمية قصوى في استقطاب ذوي الكفاءات المميزة والمحافظة عليهم وتنميتهم وتحفيزهم ما ينعكس إيجابياً على مستوى الإنتاجية لدى المنشآت ومن ثم ضمان الاستدامة والنمو.
وسأبدأ هنا بالحديث عن المنشآت العائلية والتي تشير إحدى الإحصاءات أنها تمثل 95% من إجمالي الأعمال بالمملكة، وتعتبر الموظف الأول بالقطاع الخاص. فيجدر انتباه الباحثين عن عمل إلى أن المنشآت العائلية تدار من قبل الملاك أنفسهم أو أحد أفراد الأسرة، وحتى ولو أوكلوا الإدارة لمن هم خارج العائلة يظل تأثيرهم هو المسيطر والموجه لأعمال الشركة وقراراتها الاستراتيجية بل أحيانا التشغيلية. ولهذا فإن الموظف سيجد نفسه يعمل ضمن بيئة عمل ديناميكية وسريعة ومتغيرة تبعاً لتغيرات السوق حتى ولو خالف ذلك استراتيجية المنشأة الأصلية. وبناء على ذلك فإن التركيز على حاجات الموظفين المهنية سواء من تدريب أو ارتباط أو تدرج وظيفي ستكون منخفضة ومعتمدة على حالة العمل وأحياناً غير موجودة، ولهذا توجد حالة من عدم الاستقرار لدى البعض وبالذات لحديث التخرج والذي عادة ما يجد نفسه منهمكاً بأعمال لا تنتهي وأحياناً تكون مهام غير مرتبطة بعمله الأصلي، بالإضافة لعدم وجود مرشد يقوم بالتوجيه (إلا ما ندر) إلى جانب قلة الفرص التدريبية المتاحة، مع عدم توفر برامج لقياس الأداء مع ضعف الاستقرار الوظيفي حيث إن عامل الثقة يطغى على الكفاءة ولهذا لا أنصح بالبدء فيها لحديث التخرج.
ومن الجانب الإيجابي لبيئة المنشآت العائلية أنها تساعد على صقل مهارات العمل تحت الضغوط وتقوية القدرة على اتخاذ القرارات الجريئة وسرعة التدرج الوظيفي والكثير من المهارات القيادية، وهي مناسبة أكثر لمن لديهم خبرات سابقة. علماً بأنه يوجد لدينا منشآت عائلية استطاعت أن تتقدم وتطور من بيئاتها وتتوجه للعمل المؤسسي وأحرزت تقدماً يشار إليه بالبنان فابحث عنها جيداً.
وفي المقابل نجد أن بيئة العمل في المنشآت المحترفة أو المؤسساتية (والتي كثيراً ما تكون امتداداً لشركات متعددة الجنسيات) تتمتع بممارسات وأساليب أعمال دولية ومحترفة، حيث إن هذه البيئات عادة ما تكون منظمة وذات هيكلة واستراتيجية واضحة وقائمة على قيم عميقة مستمدة من رؤية ورسالة تحكم تصرفاتها وأساليب اعمالها. ومن تجربة شخصية، فإن العمل في تلك الشركات المحترفة وبالذات في بداية المشوار الوظيفي يكسب الفرد الكثير من المهارات والمعارف والخبرات المبنية على أسس احترافية ومؤسسية قائمة على أفضل الممارسات، إذ يعتبر الفرد في مثل تلك المنشآت أهم الأصول لديها، لذا فإن عملية التنمية والتطوير لموظفيها مستمرة وتعد جزءاً من ثقافتها وبيئتها بما في ذلك توفير الارتقاء الوظيفي المبني على الكفاءة والذي غالباً ما يكون نتاج برنامج إدارة أداء شاملة.
لذا أنصح حديثي التخرج بالحرص على العمل في مثل تلك المنشآت المحترفة على الأقل في الثلاث أو الخمس سنوات الأولى لاكتساب فرصة التعلم على أفضل الممارسات في التخصص المهني، وبعدها تبدأ رحلة الانطلاق للأدوار القيادية.
أنا هنا لا أقصد رسم صورة مثالية عن جميع المنشآت متعددة الجنسيات إذ لا يوجد بيئة عمل كاملة، لكن فرص التعلم والتجربة فيها أكثر من غيرها من الشركات المحلية، علماً بانه يوجد لدينا شركات محلية لديها بيئات أصبحت جاذبة واكتسبت خلال السنوات العشر الأخيرة الكثير من الممارسات الجيدة.